صناعة التميز ..!
= = = = =
لو أنك استعرضت نصوص القرآن والسنة والسيرة النبوية بعين فاحصة ،
لتجلى لك كيف يصنع هذا الدين بإنسانه المسلم الحق الذي دمج نفسه مع تعاليمه ،
وحرص أن يكون ترجمة لما يريده الله منه أن يكون ،
مترسما خطى حبيبه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أمره بذلك مولاه :
( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب
ومن ثم فإن المسلم الحق شعاره التميز في كل ما يأتي ويدع ..وفي كل ما يقول ويفعل ..
ولذا فهو أنقى من ماء السحاب ، وأسمى من نجم السماء ، وأندى من زهر الربيع
، وأطرب من البلبل الغرّيد ، وأحلى من الشهد من المصفى ،
واثبت من الجبال الرواسي في وجه العواصف والأعاصير ..!!
..
ولك أن تتغزل بهذا الإنسان الفريد كيفما شئت ،ومهما قلت سيبقى الوصف قاصراً!
يا إلهي ! ما أروع ما يصنع هذا الدين بالإنسان الذي قرر أن يهبه حياته ..!
..
مميز بحيث تهب الرياح العاتية ، فيجفل أكثر الخلق من حوله ، كأنهم أوراق الخريف اليابسة ، تتطاير ذات اليمين وذات الشمال ، وفي كل اتجاه ،
غير أن هذه العواصف نفسها لا تزيدك _ أيها المسلم _ إلا ثباتاً ورسوخا ، وشموخا وتألقاً ..!
مميز .. بحيث تغدو شامة كل مجلس أنت فيه ، حيثما حللت ، وأينما رحلت ،
تملأ مجالس الناس خيراً ونورا ، وتفيض عليهم عطراً ، وتحيلها روحا وريحاناً ،
بما يجريه الله على لسانك من معاني السماء المشرقة المعطرة ،
والتي يجد الآخرون صداها في قلوبهم .. فيصدق فيك قول القائل :
قومٌ كرام السجايا أينما نزلوا ** يبقى المكانُ على آثارهم عطرا
..
مشاعر قلبك الحية النقية الصافية ، تسري إلى قلب كل من أقبل عليك وتعاملَ معك ، حتى لو اختلف معك ، فلا يملك إلا أن يحبك ، ويدعو لك ..!
مميز .. لأنك غير قابل للشراء ولا للبيع ، وتستعصي على محاليل الآخرين ،
فلا تذوب فيها ، في الوقت الذي يذوب فيها الآخرون بسهولة إذا تعرضوا لها ..!
ومن ثم فلا يؤثر فيك صخب الحياة وضججيها ، وهيلها وهيلمانها ، غير أنك تستطيع أن تلتقط خيوط العبرة والعظة من كل مشهد تمر به ، أو كل كلمة تسمعها
فتنتفع بها ، وتنفع بها غيرك ..!
..
مميز .. بحيث لا يستخفنك الذين لا يوقنون ، مهما أرعدوا أبرقوا وزمجروا ..
ومهما تغنوا وتغزلوا وبهرجوا .. ومهما زخرفوا القول واستعرضوا واستطالوا
.. إذ الأمور في قلبك من الوضوح بمكان ، بحيث لا يستطيع شيطان من شياطين
الإنس ولا الجن أن يستخف بك ، فنور العلم كاف لدحره ..
ومن ثم فإن طنطنة الفضائيات ، وسحر بيان أصحابها ، وزخرفة أضوائها ، وبهرجة هالاتها ، ونقيقها المتواصل ، لن تجد لها مكاناً في قلبك ،
إلا ما كان منها معينا لك على مزيد من التألق والتميز ..!
..
مميز .. ملامحك غير قاسية ، ومشاعر غير جامدة ، وكلماتك مختارة معطرة ،
ووجهك باش دوما ، توزع ابتساماتك على من تعرف وعلى من لا تعرف ،
فيسهل عليك الوصول إلى قلوب الآخرين ..حتى إذا لم تقل لهم شيئا ..!
..
مميز .. حيث نراك في قمة التواضع في الوقت الذي تكون فيه أكبر ما تكون
في قلوب الآخرين ..تجهد أن تقدم لهم خير ما عندك ،
دون انتظار كلمة شكر ولا عبارة ثناء .!
تواضعك الرائع هذا ، وأدبك الجم معهم ، هو الذي يفسح لك مزيدا من المساحة
في قلوب المحبين ، بل ويجلب إليك حب آخرين وآخرين ،
من حيث تحتسب ولا تحتسب ..!
..
مميز .. لأنك دائم البشر والتبشير ، حيثما كنت تزرع أملاً ، وتفتح أبواب رجاء ،
وتوصد بوابات يأس ، وترسم معالم الفجر ، أمام أبصار أحاطت بها ظلمات
متراكبة ، لكثرة ما ترى من طوفان الباطل ..وضجيج أهله ، وتعددت راياته !
مميز .. لأنك رجل السماء بين أهل الأرض !
كأنما جئت من قلب الجنة ، لتكون حجة الله على خلقه في دنياهم ..!
وكأنما وظيفتك في الحياة ، أن تعلم من حولك كيف يحسن التعامل مع الحياة والأحياء ، وكيف يكون متميزاً حتى في أحلك الظروف ..
بل وقبل ذلك وأهم من ذلك : كيف يحسن الأدب مع خالقه سبحانه ،
في كل ما يقدره ويقضيه ..!
..
مميز .. لأن معالم الطريق كلها قد اتضحت لقلبك ، وتجلت لك الحقائق الكبرى ،
فأصبحت في بؤبؤ عينيك ، ولم تعد ترى في الدنيا إلا صالة انتظار في مطار ،
عن قريب سترحل عنها ، إلى وطنك الأم مع النبيين والصديقين والشهداء ،
في مقعد صدق عند مليك مقتدر الرحمن …!
ومن هنا فإني أحسب أن خلاصة الخلاصة للتربية القرآنية التي ربى عليها
رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام ، هي الوصول بكل واحد منهم
إلى أن يكون متميزاً بحق ، يقول له ويهتف به ، ويكرر عليه :
أنت نسيج وحدك ، فكن متميزاً .. أنت شامة في وجه الدنيا ، فلا تعبث ..
أنت نجم في لليل الحياة ، فاعرف قدرك ، ولا تستهن بنفسك.. وهكذا
طرقات متواصلة ، وإيحاءات متوالية ، ليتشربها القلب ، ثم يترجمها سلوكاً في الحياة !
قد رشحوك لأمر لو فطنت له ** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ
..
فكن متميزاً في قولك ، وفي فعلك ، وفي حركتك وفي سكونك ،
وحيثما نزلت وحللت ، وأينما توجهت ورحلت ..!
بل كن متميزا في فكرك ، ولا ترض لنفسك أن تكون كالقشة يسيرها التيار
أينما سار .. ويوجهها الآخرون كيفما أرادوا ..!
كن متميزاً في تصوراتك وموازينك وقيمك ، بل وفي نظرتك للحياة وأهلها !
..
ولو حاولنا أن نستعرض النصوص التي تحدثت عن هذه القضية والتي أشارت إليها ، فإن الكلام سيطول ويمتد لكثرة هذه النصوص ..ومنها :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (104) سورة البقرة
فحتى الكلمة التي تحتمل ، لا ينبغي لك أن تجاري الآخرين فيها .. كن متميزاً !
{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} (116) سورة الأنعام
فلا عبرة للكثرة ولو ملأت مساحات الدنيا وأرجاء الأرض ..كن متميزا !
..
وأما نصوص الأحاديث فيكيفك أن تقف على هذين الأثرين :
_ لا يكونن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس ، إن أحسنوا أحسنت ، وإن أساءوا أسأت …!!
ولن يخرجك من هذا المأزق إلا أن تكون متميزاً ، لا تعطي عقلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..!
_ "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه
ولا ينجو من هذا الإتباع إلا المتميزين بحق ..!
..
ماضٍ وأعرف ما دربي وما هدفي ** والموت يرقص لي في كل منعطفِ
فلم أجد غير درب الله درب هـدى ** وغيـر ينبوعـه نبعـاً لمغترفِ
فصرتُ أسعى إليـه أبتغي تلفي به ** ورب خلــودٍ كـان في تلـفِ
منقول
الخميس يناير 05, 2012 3:16 am من طرف Admin
» صحافة القاهرة اليوم الخميس، 5 يناير 2012
الخميس يناير 05, 2012 1:43 am من طرف Admin
» من لا يرتكب أخطاء..لا يستطيع تحقيق الإكتشاف
الأربعاء يناير 04, 2012 8:20 am من طرف Admin
» ماهو المن والسلوى؟
الأربعاء يناير 04, 2012 8:13 am من طرف Admin
» لماذا يشرب المسلمون الماء على ثلآث مرَّات ?
الأربعاء يناير 04, 2012 8:01 am من طرف Admin
» صحافة القاهرة اليوم الأربعاء، 4 يناير 2012
الأربعاء يناير 04, 2012 5:31 am من طرف Admin
» وقت الفراااااغ
الثلاثاء يناير 03, 2012 5:41 am من طرف Admin
» صحافه القاهره اليوم الثلاثاء 3 يناير 2012
الثلاثاء يناير 03, 2012 4:50 am من طرف Admin
» "صحافة القاهرة"_ الإثنين، 2 يناير 2012
الإثنين يناير 02, 2012 2:50 am من طرف Admin